Monday, February 6, 2017

اليوم الممل الصاخب

عندما لا أرتب أنفاسي ولا حتى ملابسي، وإذا لم أشرب الشاي وأفطر جيدا،  يكون هذا  يوم اعتيادي، اليوم المليئ بالصخب والضوضاء التي لا تهتم لعبوري الطريق ولا تكترث كم أنّبت نفسي لمروري بعامل النظافة المحتاج بشدة للمال وأنا أعتذر وأرد له سؤاله بالدعاء .." ربنا يغفر لك ، ربنا يسهلّك، ربنا يرزقك".

لا شيء في الطريق أعرفه أكثر من الطريق نفسه، أصبح صديقي الحقيقي، نتقابل كل يوم، أطمئن على كل بقعة ماء وكل حصوة فيه ، أتفقد الأعمدة وأحجار الأرصفة، وعند عودتي أبتسم لناصية الشارع، ثم يحتضنني مدخل البيت، الطريق صديقي ولكن مدخل البيت هو أنا، يراقب الدنيا من مكانه لا يتحرك، أسافر في المكان محترقا بالزمن وهو يحرق الزمن ولا يهتم بالمكان، هو يشهد على صرخاتي وضحكاتي، يعلم مقدار حبي للناس ويتغاضى مثلي عن كراهيتي لنفسي.

 أصدَق انطباعات الناس عني هو عند مقابلتنا للمرة الأولى، فهذا الذي يمد يده لمصافحتي سيرى الابتسامة الواسعة ومعها القلب المرتعد، وسيرى العين الهاربة ومعها كلمة السلام المنخفضة الصوت الهاربة بخجل، وسيدرك تماما هستيرية ضحكتي والتي تنم عن استغرابي للمكان وله ورغبتي في الهرب.

لن أعود للطريق ثانية، لن أمارس ذنبي الاعتيادي، سألقي بكل أسئلتي عن مرور الوقت وفوات المواعيد في أربعة أكواب من الشاي على أي مقهى، ثم لتنخلع ذراعي عن كتفي ولتذهب هي للعمل، ولكني سأتركها وأنتظر في مللٍ احتضار مللي لينتهي، ربما لن يكفي الملل ليثنيني عن التوبة الفاجرة تلك، ربما سأغلق الهاتف كي لا أستقبل اتصالات المدراء للإطمئنان عليّ ولا العملاء واستغاثاتهم من تعطل أعمالهم وخسارتهم الفادحة ولكن سأنتظر قليلا فإن أصابعي باردة وتريد أن تتمرن على بعض الألعاب المملة أيضا.

ولكن، بعد مرور بعض الوقت لا أجد مقهى مناسب وأمر دون قصد أو -ربما دون نية في التوبة- بمكان حافلة العمل، وأراها تغادر وأجري مناديا على السائق ولكنه لا يقف إلا عندما رأى رقمي على هاتفه النقال.